منتديات احلى ابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
اعصار
عضو محترف
عضو محترف
اعصار


ذكر عدد المساهمات : 171
تاريخ التسجيل : 16/05/2011
العمر : 38

الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة  Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة    الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة  Emptyالثلاثاء مايو 17, 2011 2:20 pm

قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)

( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنـزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) قال السُّدِّي: أي نتخذ ذلك اليوم الذي نـزلت فيه عيدًا نعظمه نحن وَمَنْ بعدنا، وقال سفيان الثوري: يعني يومًا نصلي فيه، وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم، وعن سلمان الفارسي: عظة لنا ولمن بعدنا. وقيل: كافية لأولنا وآخرنا.

( وَآيَةً مِنْكَ ) أي: دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء، وعلى إجابتك دعوتي، فيصدقوني فيما أبلغه عنك ( وَارْزُقْنَا ) أي: من عندك رزقًا هنيئًا بلا كلفة ولا تعب ( وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنـزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ ) أي: فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها ( فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) أي: من عالمي زمانكم، كقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، وكقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]. " < 3-226 > "

وقد روى ابن جرير، من طريق عَوْف الأعرابي، عن أبي المغيرة القوَّاس، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة ثلاثة: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.

ذكر أخبار رُوِيَت عن السلف في نـزول المائدة على الحواريين:

قال أبو جعفر بن جرير حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني حجاج، عن لَيْث، عن عقيل، عن ابن عباس: أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له. ففعلوا، ثم قالوا: يا معلم الخير، قلت لنا: إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يومًا إلا أطعمنا حين نَفْرُغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.

كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وَهْبٍ، عن الليث، عن عُقَيْل، عن ابن شِهاب، قال: كان ابن عباس يحدث، فذكر نحوه.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا أبو زُرْعَة وهب الله بن راشد، حدثنا عُقَيْل بن خالد، أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس؛ أن عيسى ابن مريم قالوا له: ادع الله أن ينـزل علينا مائدة من السماء، قال: فنـزلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أحوات، وسبعة أرغفة، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن قَزْعَة الباهلي، حدثنا سفيان بن حبيب، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن خِلاس، عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نـزلت المائدة من السماء، عليها خبز ولحم، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير"

وكذا رواه ابن جرير، عن الحسن بن قَزْعَة اضغط هنا ثم رواه ابن جرير، عن ابن بشار، عن ابن أبي " < 3-227 > " عَدِيّ، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس، عن عمار، قال: نـزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة، فأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا. قال: فخان القوم وخَبئوا وادخروا، فمسخهم الله قردة وخنازير.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود، عن سِمَاك بن حرب، عن رجل من بني عجل، قال: صليت إلى جنب عمار بن ياسر، فلما فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: قلت: لا قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تَخْبَؤوا، أو تخونوا، أو ترفعوا، فإن فعلتم فإني معذبكم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، قال: فما مضى يومهم حتى خبَّؤوا ورفعوا وخانوا، فعذبوا عذابًا لم يعذبه أحد من العالمين. وإنكم -معشر العرب-كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم، ونهاكم أن تكتنـزوا الذهب والفضة. وأيم الله، لا يذهب الليل والنهار حتى تكنـزوهما ويعذبكم الله عذابًا أليمًا.

وقال: حدثنا القاسم، حدثنا حسين، حدثني حجاج، عن أبي مَعْشَر، عن إسحاق بن عبد الله، أن المائدة نـزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: "لعلها لا تنـزل غدًا". فرفعت.

وقال العَوْفِي، عن ابن عباس: نـزلت على عيسى ابن مريم والحواريين، خوان عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نـزلوا إذا شاؤوا. وقال خَصِيف، عن عكرمة ومِقْسَم، عن ابن عباس: كانت المائدة سمكة وأرغفة. وقال مجاهد: هو طعام كان ينـزل عليهم حيث نـزلوا. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: نـزلت المائدة خبزًا وسمكًا. وقال عطية العَوْفِي: المائدة سمك فيه طَعْمُ كل شيء.

وقال وَهْب بن مُنَبِّه: أنـزلها من السماء على بني إسرائيل، فكان ينـزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى، فكان يَقْعُدُ عليها أربعة آلاف، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك لمثلهم. فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل.

وقال وهب بن مُنَبِّه: نـزل عليهم قرصة من شعير وأحوات، وحشا الله بين أضعافهن البركة، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون، حتى أكل جميعهم وأفضلوا.

وقال الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير: أنـزل عليها كل شيء إلا اللحم.

وقال سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن زاذان ومَيْسَرَة، وجرير، عن عطاء، عن ميسرة " < 3-228 > " قال: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم.

وعن عكرمة: كان خبز المائدة من الأرز. رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا جعفر بن علي فيما كتب إليّ، حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْس، حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مِرْدَاس العبدري -مولى بني عبد الدار-عن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبه، عن أبي عثمان النَّهْدِي، عن سلمان الخير؛ أنه قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة، كره ذلك جدا وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء، فإنها إن نـزلت عليكم كانت آية من ربكم، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية، فابتلوا بها حتى كان بَوَارهم فيها. فأبوا إلا أن يأتيهم بها، فلذلك قالوا: نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا الآية.

فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصوف، ولبس الشعر الأسود، وجبة من شعر، وعباءة من شعر، ثم توضأ واغتسل، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله، فلما قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغض بصره، وطأطأ رأسه خشوعًا، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلما رأى ذلك دعا الله فقال: ( اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنـزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) فأنـزل الله عليهم سُفْرَة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا للشروط التي اتخذها الله عليهم -فيها: أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نـزولها عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين -وهو يدعو الله من مكانه ويقول: اللهم اجعلها رحمة،إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شَكَّارين، إلهي أعوذ بك أن تكون أنـزلتها غضبًا وجزاء، إلهي اجعلها سلامة وعافية، ولا تجعلها فتنة ومثلة.

فما زال يدعو حتى استقرت السُّفْرة بين يدي عيسى، والحواريين وأصحابه حوله، يَجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط، وخَرَّ عيسى والحواريون لله سجدًا شكرًا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبًا أورثهم كمدًا وغمًا، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى. والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة، فإذا عليها منديل مغطى. قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة، وأوثقنا بنفسه، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها، ونحمد ربنا، ونذكر باسمه، ونأكل من رزقه الذي رزقنا. فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته، أنت أولانا بذلك، وأحقنا " < 3-229 > " بالكشف عنها. فقام عيسى، عليه السلام، واستأنف وضوءًا جديدًا، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقًا. ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل، وقال: "باسم الله خير الرازقين"، وكشف عن السفرة، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية، ليس عليها بواسير، وليس في جوفها شوك، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث، وعند رأسها خل، وعند ذنبها ملح، وحول البقول خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الآخر ثمرات، وعلى الآخر خمس رمانات.

فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نـزول هذه الآية‍‍‍‍‍‍! فقال شمعون: وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصِّدِّيقة. فقال عيسى، عليه السلام: ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة، فقال له: كن. فكان أسرع من طرفة عين، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يُمدكم منه ويَزدكم، فإنه بديع قادر شاكر.

فقالوا: يا روح الله وكلمته، إنا نحب أن تُرينا آية في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى، عليه السلام، على السمكة، فقال: يا سمكة، عودي بإذن الله حية كما كنت. فأحياها الله بقدرته، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية، تَلَمَّظ كما يتلمظ الأسد، تدور عيناها لها بصيص، وعادت عليها بواسيرها. ففزع القوم منها وانحازوا. فلما رأى عيسى ذلك منهم قال: ما لكم تسألون الآية، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة، عودي بإذن الله كما كنت. فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول.

فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها، ثم نحن بعد فقال عيسى: معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها. فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها، خافوا أن يكون نـزولها سَخْطة وفي أكلها مَثُلةً، فتحاموها. فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزَّمْنى، وقال: كلوا من رزق ربكم، ودعوة نبيكم، واحمدوا الله الذي أنـزلها لكم، فيكون مَهْنَؤُها لكم، وعقوبتها على غيركم، وافتتحوا أكلكم باسم الله، واختموه بحمد الله، ففعلوا، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنـزلت من السماء، لم ينتقص منها شيء، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون، " < 3-230 > " فاستغنى كل فقير أكل منها، وبرئ كل زَمِنٍ أكل منها، فلم يزالوا أغنياء صِحَاحًا حتى خرجوا من الدنيا.

وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة، سالت منها أشفارهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات، قال: فكانت المائدة إذا نـزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضًا: الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار، والأصحاء والمرضى، يركب بعضهم بعضًا. فلما رأى ذلك جعلها نوائب، تنـزل يومًا ولا تنـزل يومًا. فلبثوا في ذلك أربعين يومًا، تنـزل عليهم غِبًّا عند ارتفاع الضُحَى فلا تزال موضوعة يؤكل منها، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم. بإذن الله إلى جو السماء، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم.

قال: فأوحى الله إلى نبيه عيسى، عليه السلام، أن اجعل رزقي المائدة لليتامى والفقراء والزَّمنَى دون الأغنياء من الناس، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس، وغَمطُوا ذلك، حتى شَكُّوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة، ونـزولها من السماء أحق، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال عيسى، عليه السلام: هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم، فلما أن فعل وأنـزلها عليكم رحمة ورزقًا، وأراكم فيها الآيات والعبَر كذَّبْتم بها، وشككتم فيها، فأبشروا بالعذاب، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله.

وأوحى الله إلى عيسى: إني آخذ المكذبين بشرطي، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نـزولها عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين. قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات.

هذا أثر غريب جدًا. اضغط هنا قَطَّعَه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نـزلت على بني إسرائيل، أيام عيسى ابن مريم، إجابة من الله لدعوته، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم: ( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنـزلُهَا عَلَيْكُمْ ) الآية. " < 3-231 > "

وقد قال قائلون: إنها لم تنـزل. فروى لَيْث بن أبي سليم، عن مجاهد في قوله: ( أَنـزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) قال: هو مثل ضُرب، ولم ينـزل شيء.

رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير. ثم قال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا القاسم -هو ابن سلام-حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تَنـزل عليهم.

وقال أيضًا: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن؛ أنه قال في المائدة: لم تنـزل.

وحدثنا بِشْر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: لما قيل لهم: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنـزل.

وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نـزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا، ولا أقل من الآحاد، والله أعلم. ولكن الذي عليه الجمهور أنها نـزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير، قال: لأنه تعالى أخبر بنـزولها بقوله تعالى: ( إِنِّي مُنـزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) قال: ووعد الله ووعيده حق وصدق.

وهذا القول هو -والله أعلم-الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم. وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب، وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر، فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، باني جامع دمشق، فمات وهي في الطريق، فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده، فرآها الناس وتعجبوا منها كثيرًا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة. ويقال إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود، عليهما السلام، فالله أعلم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كُهَيْل، عن عمران بن الحكم، عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك قال: "وتفعلون؟" قالوا: نعم. قال: فدعا، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال: " بل باب التوبة والرحمة". " < 3-232 > "

ثم رواه أحمد، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، من حديث سفيان الثوري، به. اضغط هنا

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)

هذا أيضًا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم، عليه السلام، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد. هكذا قاله قتادة وغيره، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ

وقال السُّدِّي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا.

قال ابن جرير: هذا هو الصواب، وكان ذلك حين رفعه الله إلى سماء الدنيا. واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين:

أحدهما: أن الكلام لفظ المضي.

والثاني: قوله: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ ) و ( إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ )

وهذان الدليلان فيهما نظر؛ لأن كثيرًا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي، ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) الآية: التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه، كما في نظائر ذلك من الآيات.

والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر، والله أعلم: أن ذلك كائن يوم القيامة، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة. وقد روي بذلك حديث مرفوع، رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله، مولى عمر بن عبد العزيز، وكان ثقة، قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم، ثم يُدْعَى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه، فيقِر بها، فيقولُ: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ الآية [المائدة: 110] ثم يقول: ( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ؟ فينكر أن يكون قال ذلك، فيؤتى بالنصارى فيسألون، فيقولون: نعم، هو " < 3-233 > " أمرنا بذلك، قال: فيطول شعر عيسى، عليه السلام، فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده. فيجاثيهم بين يدي الله، عز وجل، مقدار ألف عام، حتى ترفع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار"، وهذا حديث غريب عزيز.

وقوله: ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: يلقى عيسى حجته، ولقَّاه الله في قوله: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ؟ قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله: ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) أي آخر الآية.

وقد رواه الثوري، عن مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن طاوس، بنحوه.

وقوله: ( إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) أي: إن كان صَدَرَ مني هذا فقد علمته يا رب، فإنه لا يخفى عليك شيء مما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته؛ ولهذا قال: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ) بإبلاغه ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) أي: ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه: ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) أي: هذا هو الذي قلت لهم، ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) أي: كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم، ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شُعْبَة قال: انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملاه علي سفيان وأنا معه، فلما قام انتسخت من سفيان، فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله، عز وجل، حفاة عراة غُرْلا كما بدأنا أول خلق نعيده، وإن أول الخلائق يُكْسى إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".

ورواه البخاري عند هذه الآية عن الوليد، عن أبي شعبة -وعن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، كلاهما عن المغيرة بن النعمان، به.

وقوله: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله، عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويتضمن " < 3-234 > " التبري من النصارى الذين كذبوا على الله، وعلى رسوله، وجعلوا لله ندًا وصاحبة وولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فُضَيْل، حدثني فُليَت العامري، عن جَسْرة العامرية، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ليلة فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: "إني سألت ربي، عز وجل، الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئًا".

طريق أخرى وسياق آخر: قال أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا قُدَامة بن عبد الله، حدثتني جَسْرة بنت دجاجة: أنها انطلقت معتمرة، فانتهت إلى الربذة، فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلي، فجئت فقمت خلفه، فأومأ إليَّ بيمينه، فقمت عن يمينه. ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو. وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة. فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود: أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده: لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليّ، فقلت: بأبي أنت وأمي، قمت بآية من القرآن ومعك القرآن، لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه، قال: "دعوت لأمتي". قلت: فماذا أَجِبْتَ؟ -أو ماذا رُدَّ عليك؟ -قال: "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلْعة تركوا الصلاة". قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: "بلى". فانطلقتُ مُعْنقًا قريبًا من قَذْفة بحجر. فقال عمر: يا رسول الله، إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نَكَلوا عن العبادة. فناداه أن ارجع فرجع، وتلك الآية: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وَهْب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فرفع يديه فقال: "اللهم أمتي". وبكى، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم-فاسأله: ما يبكيه؟ فأتاه جبريل، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: " < 3-235 > " إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك.

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعَة، حدثنا ابن هُبَيْرة أنه سمع أبا تميم الجَيْشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب، سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فلم يخرج، حتى ظننا أن لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نَفْسه قد قبضت فيها، فلما رفع رأسه قال: "إن ربي، عز وجل، استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم؟ فقلت: ما شئت أي رب هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك، فقال: لا أخزيك في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفًا، مع كل ألف سبعون ألفا، ليس عليهم حساب، ثم أرسل إليّ فقال: ادع تُجب، وسل تُعْطَ". فقلت لرسوله: أومعطي ربي سؤلي؟ قال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيًا صحيحًا، وأعطاني ألا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرًا، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة، وطيّب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيرًا مما شُدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج".

قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)

يقول تعالى مجيبًا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين، الكاذبين على الله وعلى رسوله، ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه، عز وجل، فعند ذلك يقول تعالى: ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )

قال الضحاك، عن ابن عباس يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم.

( لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) أي: ماكثين فيها لا يَحُولون ولا يزولون، رضي الله عنهم ورضوا عنه، كما قال تعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة: 72].

وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث.

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا فقال: حدثنا أبو سعيد الأشَجُّ، حدثنا المحاربي، عن لَيْث، عن عثمان -يعني ابن عُمَيْر أبو اليقظان -عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتجلى لهم الرب " < 3-236 > " تعالى فيقول: سلوني سلوني أعطكم". قال: "فيسألونه الرضا، فيقول: رضاي أحلكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني أعطكم. فيسألونه الرضا"، قال: "فيشهدهم أنه قد رضي عنهم". اضغط هنا

وقوله: ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) أي: هذا هو الفوز الكبير الذي لا أعظم منه، كما قال تعالى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]، وكما قال: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26].

وقوله: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي: هو الخالق للأشياء، المالك لها، المتصرف فيها القادر عليها، فالجميع ملْكه وتحت قهره وقدرته وفي مشيئته، فلا نظير له ولا وزير، ولا عديل، ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، فلا إله غيره ولا رب سواه.

قال ابن وَهْب: سمعت حُيَيّ بن عبد الله يحدث، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عَمْرو قال: آخر سورة أنـزلت سورة المائدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
THE KING OF DESIGN
المدير 
المدير 
THE KING OF DESIGN


ذكر عدد المساهمات : 928
تاريخ التسجيل : 19/04/2011
العمر : 26
الموقع : قرية الابداع

الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة    الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة  Emptyالثلاثاء مايو 17, 2011 2:21 pm

شكرا لك على الموضوع المميز
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ibde3.hooxs.com
 
الجزء الرابع والعشرون والاخير من تفسير سورة المائدة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الواحد والعشرون من تفسير سورة المائدة
» الجزء الثاني والعشرون من تفسير سورة المائدة
» الجزء الثالث والعشرون من تفسير سورة المائدة
» الجزء الرابع من تفسير سورة المائدة
» الجزء الرابع عشر من تفسير سورة المائدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات احلى ابداع :: ▁▂▃▅▆▇ المنتديات العامة ▇▆▅▃▂ :: Ξ❤Ξ قسم المـنـتدى الاسلامي Ξ❤Ξ-
انتقل الى: