[right]وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) .
يقول تعالى مخبرًا عن تصرفه في خلقه، ونفوذ حكمه، وأنه لا معقب له، بأنه من يهده فلا مضلّ له ( وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ ) أي: يهدونهم، كما قال: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [ الكهف: 17 ].
وقوله: ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ) قال الإمام أحمد:
حدثنا ابن نمير، حدثنا إسماعيل عن نُفَيْع قال : سمعت أنس بن مالك يقول: قيل: يا رسول الله، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال: "الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم". وأخرجاه في الصحيحين .
وقال الإمام أحمد أيضًا: [حدثنا يزيد] ، حدثنا الوليد بن جُمَيْع القرشي، عن أبيه، حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد قال: قام أبو ذر فقال: يا بني غفار، قولوا ولا تحلفوا، فإن الصادق المصدوق حدثني: أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار. فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما، فما بال الذين يمشون ويسعون ؟ قال: يلقي الله، عز وجل، الآفة على الظهر حتى لا يبقى ظهر، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة، فيعطيها بالشارف ذات القتب، فلا يقدر عليها .
وقوله: ( عُمْيًا ) أي: لا يبصرون ( وَبُكْمًا ) يعني: لا ينطقون ( وَصُمًّا ) : لا يسمعون. وهذا يكون في حال دون حال جزاء لهم كما كانوا في الدنيا بكمًا وعميًا وصمًا عن الحق فجوزوا في محشرهم بذلك أحوج ما يحتاجون إليه ( مَأْوَاهُمْ ) أي: منقلبهم ومصيرهم ( جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ ) قال ابن عباس: سكنت . وقال مجاهد: طفئت ( زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) أي: لهبًا ووهجًا وجمرًا، كما قال: فَذُوقُوا فَلَنْ نَـزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا [ النبأ: 30 ].
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا (99) .
يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم به، من البعث على العمى والبكم والصمم، جزاؤهم الذي يستحقونه؛ لأنهم كذبوا ( بِآيَاتِنَا ) أي بأدلتنا وحججنا، واستبعدوا وقوع البعث ( وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ) بالية نخرة ( أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) أي: بعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك، والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية؟ فاحتج تعالى عليهم، ونبههم على قدرته على ذلك، بأنه خلق السماوات والأرض، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك كما قال: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [ غافر: 57 ] وقال أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الأحقاف: 33 ] وقال أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ يس: 81 ، 83 ].
وقال هاهنا: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) أي: يوم القيامة يعيد أبدانهم وينشئهم نشأة أخرى، ويعيدهم كما بدأهم.
وقوله: ( وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ ) أي: جعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلا مضروبًا ومدة مقدرة لا بد من انقضائها، كما قال تعالى: وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ [ هود: 104 ].
وقوله: ( فَأَبَى الظَّالِمُونَ ) أي: بعد قيام الحجة عليهم ( إِلا كُفُورًا ) إلا تماديًا في باطلهم وضلالهم.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
يقول تعالى لرسوله صلوات الله عليه وسلامه قل لهم يا محمد: لو أنكم -أيها الناس -تملكون التصرف في خزائن الله، لأمسكتم خشية الإنفاق.
قال ابن عباس، وقتادة: أي الفقر أي: خشية أن تذهبوها ، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدًا؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم؛ ولهذا قال: ( وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا ) قال ابن عباس، وقتادة : أي بخيلا منوعًا. وقال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [ النساء: 53 ] أي: لو أن لهم نصيبًا في ملك الله لما أعطوا أحدًا شيئًا، ولا مقدار نقير، والله تعالى يصف الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله وهداه؛ فإن البخل والجزع والهلع صفة له، كما قال تعالى: إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ [ المعارج: 19 -22 ]. ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، ويدل هذا على كرمه وجوده وإحسانه، وقد جاء في الصحيحين: "يد الله ملأى لا يَغيضُها نفقة، سَحَّاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يَغض ما في يمينه" .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) .
يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون، وهي: العصا، واليد، والسنين ، والبحر، والطوفان ، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات. قاله ابن عباس.
وقال محمد بن كعب: هي اليد، والعصا، والخمس في الأعراف، والطَّمْسَة والحجر.
وقال: ابن عباس أيضًا، ومجاهد، وعكرمة والشعبي، وقتادة: هي يده، وعصاه، والسنين، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي. وجعل الحسن البصري "السنين ونقص الثمرات" واحدة، وعنده أن التاسعة هي: تلقف العصا ما يأفكون. فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ [ الأعراف: 133 ] أي: ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها، كفروا بها وجحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا، وما نجعت فيهم، فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك سألوا، وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا [ الإسراء: 90 ] إلى آخرها، لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله، كما قال فرعون لموسى -وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات-: ( إِنِّي لأظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) قيل: بمعنى ساحر. والله تعالى أعلم.
فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هاهنا، وهي المعنية في قوله تعالى: وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [ النمل: 10 -12 ]. فذكر هاتين الآيتين: العصا واليد، وبين الآيات الباقيات في "سورة الأعراف" وفصلها.
وقد أوتي موسى، عليه السلام، آيات أخرَ كثيرة، منها ضربُه الحجر بالعصا، وخروج الأنهار منه، ومنها تظليلهم بالغمام، وإنـزال المنّ والسلوى، وغير ذلك مما أوتوه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر، وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرًا وجحودًا. فأما الحديث الذي رواه الإمام [أحمد] :
حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدث، عن صفوان بن عَسّال المرادي، رضي الله عنه، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي [صلى الله عليه وسلم] حتى نسأله عن هذه الآية: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) فقال: لا تقل له: نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين. فسألاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة -أو قال: لا تفروا من الزحف -شعبة الشاك -وأنتم يا يهود، عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت". فقبلا يديه ورجليه، وقالا نشهد أنك نبي. [قال: "فما يمنعكما أن تتبعاني؟" قالا لأن داود، عليه السلام، دعا ألا يزال من ذريته نبي] ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود.
فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج، به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها، وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون، والله أعلم.
ولهذا قال موسى لفرعون: ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنـزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ ) أي: حججًا وأدلة على صدق ما جئتك به ( وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ) أي: هالكًا. قاله مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس ملعونًا. وقال: أيضًا هو والضحاك: ( مَثْبُورًا ) أي: مغلوبًا. والهالك -كما قال مجاهد -يشمل هذا كله، قال عبد الله بن الزبعري:
إذْ أجَـارِي الشَّـيطانَ فـي سَنن الغـ
يِّ وَمَــنْ مَــالَ مَيْلــهُ مَثْبُــور
[بمعنى هالك] .
وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله: "علمت" وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون، كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [ النمل: 13 ، 14 ].
فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي مما تقدّم ذكره من العصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم. التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله. وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟ وما جاء هذا الوهم إلا من قبل "عبد الله بن سلمة فإن له بعض ما يُنْكر. والله أعلم . ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فحصل وَهْم في ذلك. والله أعلم.
وقوله: ( فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرْضِ ) أي: يخليهم منها ويزيلهم عنها ( فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ ) وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن هذه السورة نـزلت قبل الهجرة، وكذلك وقع؛ فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها، كما قال تعالى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا [ الإسراء: 76 ، 77 ] ؛ ولهذا أورث الله رسوله مكة، فدخلها عُنْوَة على أشهر القولين، وقهر أهلها، ثم أطلقهم حلمًا وكرمًا، كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم، كما قال: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [ الشعراء: 59 ] وقال هاهنا ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) أي: جميعكم أنتم وعدوكم.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: ( لَفِيفًا ) أي: جميعًا.